ثلاثة أعوام أمضتها نسمة (اسم مستعار) موقوفة إداريا في مركز إصلاح وتأهيل النساء “الجويدة” ليس لأي تهمة، إنما لعدم رغبة أي من ذويها في استقبالها، فهي “ضحية تفكك أسري” كما تصف نفسها.
نسمة هي واحدة من مجموعة من نزيلات مركز إصلاح وتأهيل النساء بين موقوفات إداريا وقضائيا ومحكومات شاركن في جلسة حوارية، هي الأولى من نوعها بين نزيلات وممثلين عن السلطة التشريعية والمجتمع المدني والجهات الحكومية والدولية، نظمتها مجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان” داخل مركز الإصلاح أمس.
من داخل أسوار السجن، وجدت نساء موقوفات إداريا في اللقاء، الذي شارك به مجموعة من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب واللجنة الوطنية لشؤون المرأة وممثلين عن الاتحاد الأوروبي ومشروع كرامة، طاقة يتمنين أن تحمل لهن فرجا ولو يسيرا، بعدما تحدثن عن قضاياهن ومطالبهن.
تقول نسمة “أنا مطلقة منذ العام 2017 والدي ووالدتي مطلقان وكل منهما تزوج لاحقا، ولا يرغب أحد منهما في استقبالي. أنا هنا منذ 3 سنوات لم أتلق أي زيارة من عائلتي ويرفض والدي الحضور إلى الحاكم الإداري لتكفيلي”.
وتتابع “أرغب حاليا في الزواج، لكن الحاكم الإداري يرفض إجراء عقد القران إلا بحضور وموافقة والدي”.
ترى نسمة في نفسها امرأة متخلى عنها فعائلتها لا تلقي بالا لوضعها، فيما يخالف الحاكم الإداري قانون الأحوال الشخصية باشتراطه حضور والدها لاتمام إجراءات عقد القران.
سماح هي الأخرى لديها حالة مشابهة لحالة نسمة، وتقول إنها دخلت “السجن” في أول مرة العام 2014 لأن أيا من أفراد أسرتها لا يرغب في وجودها معه. تقول سماح “لاني قصيرة بفكروا عندي مشكلة بعقلي، حاولوا يدخلوني مستشفى الأمراض العقلية، هم ما بدهم إياني”.
في العام 2019 كانت سماح “اسم مستعار” ضمن الدفعة الثالثة للنساء المعرضة حياتهن للخطر والتي انتقلت من “جويدة” الى دار آمنة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية والمعنية برعاية النساء المعرضات للخطر.
باشرت سماح الالتحاق ببرامج تأهيل في الدار؛ لكن بعد فترة تم الوصول إلى “تسوية” خرجت بموجبها من الدار إلى منزل إحدى شقيقاتها، لكن اقامتها في منزل شقيقتها لم يدم طويلا لتعود لاحقا إلى “دار آمنة” التي حولتها إلى “الجويدة”.
آمال واحدة من النزيلات اللواتي اوقفن بـ”الجويدة” إداريا بسبب تغيبها عن منزلها ووجود تعميم عليها من قبل زوجها، وتقول “أراد زوجي تزويج ابنتي البالغة من العمر 15 عاما مقابل مبلغ مالي، رفضت ذلك وهربت أنا وأبنائي من المنزل لمدة 4 أيام بعد ذلك علمت أن زوجي قام بالتعميم علي، وعلى إثر التعميم قام الحاكم الإداري بتوقيفي إداريا بسبب وجود خطورة على حياتي من قبل شقيقي، علما أن تواصلي مع شقيقي شبه معدوم منذ سنوات”.
وتزيد “بعد أن بلغ ابني سن 18 عاما حاول تكفيلي لكن الحاكم الإداري رفض كفالته لانه غير مؤهل ماديا، وزوجي ما يزال يرفض رفع التعميم”.
بحسب مديرة مركز إصلاح وتأهيل النساء “الجويدة” العقيد منى أبو عودة فإن “عدد النزيلات في المركز حاليا 412 امرأة منهن 102 موقوفة إداريا من أردنيات وأجنبيات و116 موقوفات قضائيا و194 محكومات منهن 19 محكومة بالإعدام، لافتة إلى أن إجمالي عدد النساء المحكومات بالإعدام في الأردن 20 سيدة حيث تقيم إحداهن كنزيلة في مركز أم اللولو.
وتشرح “الموقوفات منهن الأجنبيات بسبب مخالفة قانون الإقامة، أو حالات لنساء كن محكومات قضائيا لكن تمت إعادتهن كموقوفات إداريا، والفئة الأخيرة لحالات مختلفة من وجود خطورة على حياتهن أو بسبب عدم وجود أي مكان يقمن به؛ أي متخلى عنهن من قبل أسرهن أو متغيبات أو يعانين من اضطرابات نفسية وعقلية”.
ومع افتتاح دار آمنة، التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، تم تحويل عدد من الحالات من المركز الى الدار، لكن خلال الشهرين الماضيين رفضت إدارة الدار استقبال 3 حالات، بحسب أبو عودة.
وتربط دراسات دولية بين وجود النساء في مراكز الاحتجاز وتعرضهن للعنف “قبل الاحتجاز وخلاله وبعده”، وفقا لما قالته المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان” المحامية ايفا أبو حلاوة التي أوضحت أن “اللقاء يهدف الى وضع قضايا النساء على أجندة أصحاب القرار”.
وعلى خلاف ما كان مأمولا من إنشاء دار آمنة، فإن حالات احتجاز حرية نساء للحفاظ على حياتهن ما تزال مستمرة، فيما انضمت إلى قائمة الموقوفات إداريا فئة جديدة من النسوة بتن يعرفن بـ”المتخلى عنهن”، وفق أبو حلاوة التي ترد ذلك إلى “التحولات والتغييرات الاجتماعية في المجتمع الأردني والتفكك وضعف الترابط الأسري والاجتماعي”.
وسعى اللقاء إلى تسليط الضوء على ملف الحماية الاجتماعية للنساء المعرضات للخطر، بحسب أبو حلاوة التي دعت “كل الجهات والوزارات المعنية، بما فيها وزارتا الأوقاف والتنمية الاجتماعية إلى العمل على تعزيز قيم الترابط والتكافل الاجتماعي ودراسة موضوع التفكك الأسري ونسب الطلاق”.
ومن هنا تبرز أهمية إنشاء مركز دراسات اجتماعية، “حتى تكون القوانين والسياسات المتعلقة بالأسرة والإصلاح الاجتماعي مبنية على دراسات أكاديمية وعلمية”، في رأي أبو حلاوة.
وتستدرك أبو حلاوة بالقول إنه و”خلال العام الأول من افتتاح دار آمنة كان هناك استجابة أكبر واستقبال مباشر للحالات الواردة من الحكام الإداريين وإدارة حماية الأسرة إلى جانب وجود لجنة لدراسة الحالات وتحديد مدى انطباق التعليمات الخاصة بالدار على النساء الموقوفات إداريا، وهو بالفعل ما تم حيث تم تحويل دفعات كبيرة من مركز الجويدة إلى آمنة، لكن للأسف الآن نحن نشهد إحالة معاكسة لنساء من الدار إلى مركز الإصلاح والتأهيل، واستمرار التوقيف الإداري للنساء المعرضات للخطر، وهي الحالات التي استمعنا لها اليوم (خلال اللقاء) من قبل صاحبات الشأن أنفسهن”.
وتابعت “نحن حاليا بحاجة إلى إعادة تقييم لمنظومة الحماية من العنف الأسري لتجنيب النساء هذه التجارب الأليمة”، ولـ”إيجاد حلول لكافة النساء من معرضات للخطر أو متخلى عنهن، لتجنبيهن إشكالية التوقيف الإداري وانتزاع حريتهن”.
وتتابع “أن التجربة أثبتت أن تأهيل المرأة التي لا يتم احتجازها بمركز إصلاح وتأهيل أكثر سهولة من أن يتم إعادة التأهيل والدمج في المجتمع بعد دخولها في تجربة السجن”.
من جانبها، قالت النائبة ديمة طهبوب إن “مشاركتها في الزيارة الى المركز تهدف الى تحقيق تواصل أكبر والمساهمة في ايجاد حلول سواء كان ذلك من خلال التواصل مع وزارة التنمية الاجتماعية أو وزارة الأوقاف، تحديدا ما يتعلق بفئات النساء المتخلى عنهن والغارمات.
وأضافت نأمل كذلك ان يتم انطلاقة برامج تأهيل وبناء مهارات لتتمكن النساء في المركز من تنمية قدراتهن وتأهليهن ليكن أفرادا منتجين ومندمجين في المجتمع.
بدورها، أكدت العين الدكتورة سوسن المجالي على ما ذهبت إليه طهبوب، وقالت “من خلال ما استمعنا إليه اليوم فإنه رغم كل التقدم في قضايا الحماية الاجتماعية لكننا ما نزال مقصرين”، معتبرة أن “جزءا من التقصير يتعلق بضعف التنسيق والتباطؤ أو عدم تحمل المسؤولية لحماية الأفراد المعرضين للخطر من أطفال أو نساء أو ذوي إعاقة أو مسنين”.
أما الأمينة العام للجنة الوطنية لشؤون الأسرة الدكتورة سلمى النمس؛ فبينت أن هناك حاجة ماسة لمراجعة استراتيجيات الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر هشاشة، مبينة أنها ستشارك بالقضايا التي تم طرحها خلال الجلسة مع اللجنة الوزارية للمرأة التي ستنعقد اليوم الأربعاء.
وشارك بالزيارة: النواب ديمة طهبوب وحياة المسمي، والعين سوسن المجالي، الى جانب باحثين وأكاديميين واعلاميين وممثلين عن مشروع كرامة والاتحاد الأوروبي.
وتلا الجلسة الحوارية ورشة متخصصة بالإرشاد النفسي والقانوني والتوعية الصحية نظمتها ميزان لنزيلات المركز.
وكانت وزارة التنمية الاجتماعية افتتحت “دار آمنة” في أيلول العام 2018 لتكون بديلا عن النظام المتبع سابقا بتوقيف النساء المعرضة حياتهن للخطر إداريا في مراكز الإصلاح والتأهيل، بموجب نظام دور ايواء المعرضات للخطر، والذي حدد هدف الدار بتقديم الاقامة المؤقتة المرتبطة برغبة السيدة من خلال النهج المرتكز على المنتفعة.
كما عرفت التعليمات التنفيذية لدور إيواء، المعرضات للخطر، بأنها المرأة التي “تكون حياتها مهددة بالقتل من احد أفراد أسرتها، أو عدم وجود شخص قادر على حمايتها”.
وتعتبر خدمات الدار اختيارية للمنتفعات سواء لجهة دخولها أو الخروج منها، في وقت تقدم فيه الدار خدمات المساعدة النفسية والاجتماعية، إلى جانب برامج التدريب المهني، كما توفر بديلا آمنا لحفظ حقوق وحياة النساء المهددة حياتهن بالخطر دون سلب حريتهن.
وكانت وزارة التنمية الاجتماعية أعلنت في تموز “يوليو” 2019 أنه تم نقل 26 امرأة من مركز إصلاح وتأهيل نساء جويدة الى الدار لتصبح بذلك مراكز الإصلاح خالية من الموقوفات اداريا حماية لحياتهن كما استقبلت الدار 69 حالة من خلال الحكام الإداريين واقسام إدارة حماية الأسرة، لكن الأشهر القليلة الماضية شهدت عودة وارتفاعا في عدد النساء الموقوفات إداريا حماية لحياتهن أو المتخلى عنهن في مراكز الإصلاح والتأهيل.