بتلاشي الآمال بالحصول على صكوك صلح يقابله تجميد لتطبيق عقوبة الإعدام، تقبع 20 محكومة بالإعدام خلف قضبان مراكز الإصلاح والتأهيل، منهن واحدة في مركز إصلاح وتأهيل أم اللولو، والباقي بـ”الجويدة”، لأجل غير مسمى، وسط منظومة قانونية واجتماعية جعلت من هؤلاء النسوة متخلى عنهن.
وفي لقاء نظمته مجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان” بالتعاون مع مديرية الأمن العام لنزيلات مع قيادات نسوية، يوم أول من أمس، تحدثت نزيلات ومنهن محكومات بالإعدام عن قضاياهن.
السمة الغالبة للمحكومات بالإعدام انهن فتيات يافعات اقترفن جريمة قتل بحق أحد أفراد أسرهن، تعود بها جذور الجريمة الى تعرضهن لأشكال مختلفة من العنف والإساءة.
تقول سمر، وهي شابة في مطلع العشرينيات ومحكومة بالإعدام، “نحنا حوكمنا على فعلنا لكن لم يأخذ أحد بالأسباب اللي دفعتنا للجريمة”، مضيفة “ليست الظروف الأسرية والاجتماعية هي الظالمة لنا فقط، بل أيضا القانون الذي يشترط اسقاط الحق الشخصي”.
أقدمت سمر، اسم مستعار، على قتل والدها بالشراكة مع والدتها وشقيقها، عندما كانت تبلغ من العمر 18 عاما، نتيجة لـ”تعرضها لأشكال مختلفة من العنف والإساءة من قبل الأب، حكمت الأم والأبنة بالإعدام، أما الابن فحصل على حكم مخفف كونة كان قاصرا وقت ارتكاب الجريمة”، على حد قولها.
وأضافت “صكوك صلح واسقاط حق شخصي، ما في، وتطبيق لأحكام الإعدام كذلك ما في”، مشيرة إلى أنه “كل فترة يراجعنا ممثلون عن جهات قانونية أو وزارة العدل، ويسألون “أخذتوا صكوك صلح؟”، وبعدها بغادروا”.
وتابعت “حياتنا هون، نحن نطلب أن يتم تخصيص برامج تأهيل عملي، حتى نتمكن من أن نكون أفرادا منتجين من داخل السجن”.
سمر كانت طالبة في مرحلة الثانوية العام وقت وقوع الجريمة، خلال اقامتها بالمركز تقدمت لعدد من المباحث بامتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، وتمكنت من تحقيق معدل ممتاز، وتسعى حاليا الى استكمال دراسة المباحث المتبقية للحصول على الشهادة.
كما تشارك سمر مع رفيقتها بالمركز، وهي شابة تحمل درجة البكالوريوس باللغة الإنجليزية ومحكومة بالإعدام في قضية مشابهة، بإعطاء دورات اللغة الإنجليزية لزميلاتهن النزيلات.
وفيما تبدو فرص سمر بالحصول على “صكوك صلح”، من أقاربها، شبه معدومة، فإن لسماح، اسم مستعار، المدانة بارتكاب جريمة قتل داخل نطاق أسرتها، وضعا مختلفا تماما، فقد تمكنت من الحصول على 5 “صكوك صلح” من الورثة، لكن صعوبة الوصول إلى الوريثة السادسة حاول دون إنقاذها من العقوبة.
أدينت سماح بجريمة قتل والدة زوجها العام 2004، وهي تعتبر نفسها “ضحية لظروف خاصة وقاهرة، الأمر الذي يؤكد عليه المحيطون بها، كان الحكم الأولي في قضيتها 10 أعوام، لكن الحكم رجع وارتفع للإعدام”.
وقالت سماح “لم يشتك علي أحد من الورثة، كما حصلت على 5 “صكوك صلح” من أبنائها، لكن هناك وريثة واحدة تقيم في الولايات المتحدة الأميركية، لم تزر الأردن منذ العام 2002، كما أنه لا يوجد أي اتصال معها. حاولنا بكل الطرق الوصول لها من خلال وزارة الخارجية والسفارة الأردنية في واشنطن، لكن فشلنا. وأنا هون بستنا رحمة ربنا وصك الصلح السادس”.
وتابعت “16 عامًا راحوا من عمري وأنا بعيدة عن أبنائي، تركت ابني الصغير بعمر عام وثمانية أشهر. أنا الآن مريضة سرطان. أمنيتي أن أخرج من السجن قبل أن أموت، وأتمكن من ضم أبنائي الى حضني”.
أما ياسمين، اسم مستعار أيضًا، فآثرت عدم الخوض في تفاصيل قضيتها، لكنها اكتفت بالقول “نحن مجتمع يصنع المجرمين ويحاسبهم”، موضحة “نحاسب على أفعالنا، لكن في ظروفنا الصعبة قبل الجريمة لم نجد من يقف الى جانبنا”.
إلى ذلك، لفتت المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان” ايفا أبو حلاوة الى “ما تضمنته الدراسات الدولية من وجود علاقة بين تعرض النساء للعنف وجنوحهن ودخولهن الى مراكز الإصلاح لاحقا”، داعية الى اعادة تقييم ومراجعة منظومة الحماية الخاصة بالفئات المهمشة بما فيهم النساء الأكثر ضعفا.
وقالت “اما فيما يخص احكام الاعدام الواقعة على النساء، فإنه من المعروف ان المرأة لا تحظى باهتمام مماثل من قبل اقاربها للحصول على صكوك صلح عشائرية لإسقاط الحق الشخصي، كما الحال في الجرائم المرتكبة من قبل الذكور، ما يجعل فرص حصول النساء على عقوبة مخفضة أقل بكثير من الذكور”.
وأضافت أبو حلاوة “خطى الأردن خطوات نحو تجميد العقوبة، هذا الامر جعل عددا كبيرا من المحكومين داخل السجون وهم ليسوا على يقين فيما اذا كانت العقوبة ستطبق عليهم أم لا”.
وتابعت “في حال نفذت العقوبة فإن ذلك يعني أن المحكوم بالإعدام نفذ عقوبتين السجن والإعدام”، مضيفة “أما في حال كان الأردن يتجه الى تجميد العقوبة فالأصل هو استبدال عقوبات الإعدام بعقوبات اخرى”.
كما أشارت إلى مطلب تقدمت به المحكومات بالاعدام، يتمثل بـ”إنشاء مشاريع تشغيلية ومنتجة داخل السجن، للمحكومات، خصوصًا أن وجودهم قد يستمر مدى الحياة”، وضحة أن ذلك “خطوة مهمة لجهة اشباع الحاجة بالشعور بالانتاجية وتحقيق مصدر دخل لهن، خاصة أن عددا منهن لا يتلقى أي دخل من أقاربهن”.
من جانبها، أكدت العين سوسن المجالى أهمية وجود مساعدة قانونية حقيقية مقدمة للنساء المتهمات في جرائم تصل عقوباتها الى الإعدام، مبينة “من ضمن الحالات التي التقينا بها اليوم ربما لو حصلت على تمثيل ومشورة القانونية أفضل، لساهم ذلك في تخفيض العقوبة، خصوصا ان عددا كبيرا من النساء اللواتي استمعن لهن ارتبطت جرائمهن بتعرضهن لعنف أسري واساءة وتحرش جنسي”.
ولفتت إلى “أهمية المساعدة القانونية كذلك لجهة مساعدة هؤلاء النسوة في الحصول على صكوك صلح نظرا لتخلي عائلاتهن عنهن ما يجعل المساعدة القانونية هي طوق النجاة للخلاص من احكام الإعدام”.
وقالت المجالي الإشكالية تكمن في أن نسبة من هؤلاء المحكومات “هن شابات يافعات وضحايا لتفكك أسري وظروف اجتماعية صعبة”، معتبرة “ان قصصهن إنما انعكاس لضعف وتقصير من الجهات الحكومية والمجتمع المدني”.
وتابعت “كون الأردن يتجه الى تجميد العقوبة، فإن الاصل استبدال العقوبة”.